للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستشاره أبو أحمد بن مردك في زوج ابنته، وذكر له أنه خطبها جماعة، قال له: اختر منهم من يخاف الله تعالى، فإنه إن أحبّها بالغ في إكرامها، وإن لم يحبّها تحرّج من ظلمها.

وتأخّر بعض أصحابه عن مجلسه في يوم السبت، فسأله عن سبب تأخّره، فاعتذر بشرب دواء، فأنشد [وافر]

لنعم اليوم يوم السّبت حقا ... لصيد إن أردت بلا امتراء (١)

وفي الأحد البناء فإنّ فيه ... تبدّى الله في خلق السّماء

وفي الاثنين إن سافرت فيه ... يكون الأوب فيه بالنّماء (٢)

وإن ترم الحجامة فالثّلاثا ... ففي ساعاته درك الشّفاء

وإن شرب امرؤ يوما دواء ... فنعم اليوم يوم الأربعاء

وفي يوم الخميس قضاء حاج ... ففيه الله آذن بالقضاء

ويوم الجمعة التّزويج فيه ... ولذّات الرّجال مع النّساء

ولما شهد أبو سعيد عند قاضي القضاة ابن معروف (٣)، وقبل شهادته، وصار من جملة عدوله، عاتبه على ذلك أحد المختصّين به فقال: إنّك إمام الوقت، وعين الزمان، والمنظور إليه، والمقتبس من عمله، تضرب إليك أكباد الإبل، ويفتقر إليك الخاصّ والعامّ، والرعايا والسّلطان. فإذا توسّطت مجلسا كنت المنظور في الصّدر (٤)، وإذا حضرت محفلا كنت البدر، قد اشتهر ذكرك في الأقطار والبلاد، وانتشر علمك في كلّ محفل وناد، والألسنة مقرّة بفضلك، فما الذي حملك على الانقياد لابن معروف واختلافك إليه؟ فصرت تابعا بعد أن كنت متبوعا، ومؤتمرا بعد أن كنت آمرا؟ وضعت من قدرك! وضيّعت كثيرا من حرمتك، وأنزلت


(١) الأبيات في معجم الأدباء:٨٨٠.
(٢) في معجم الأدباء: (إن سافرت حقا).
(٣) أبو محمد عبيد الله بن أحمد بن معروف البغدادي قاضي القضاة وشيخ المعتزلة كان من أجلاء الرجال ذا ذكاء وفطنة وبلاغة وهيبة، توفي سنة ٣٨١، هـ‍. ترجمته في: تاريخ بغداد:١٠/ ٣٦٥، وسير أعلام النبلاء:١٦/ ٤٢٦، والبداية والنهاية:١١/ ٣١٠.
(٤) في معجم الأدباء:٨٨٠: المنظور إليه في الصدر.

<<  <   >  >>