للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فؤاده مما فاجأه به ملك الوحي لأول مرة، فقالت له:

"كلا والله؛ ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وتصدق الحديث".

فقد ساقت في هذا الخطاب جملة من الخصال التي كان - صلى الله عليه وسلم - متحليا بها قبل البعثة، فنبهت على أنه كان يحسن إلى الأقارب وغير الأقارب، ويقوم بحق الضيف، ويعين على نوائب الحق، وهذه كلمة جامعة تتناول كل ما تكون به الإعانة على النوائب؛ من نحو: المال والبدن والجاه. وفي قولها: "تصدق الحديث" شاهد على أنه كان يتحرى الصدق في جميع أحواله، وأنه لم يكن ينطق حتى قبل النبوة إلا بما هو حق.

وانظروا في حديث هرقل ملك الروم، إذ كان يسال أبا سفيان عن حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو سفيان لم يزل على جاهليته؛ قال هرقل لأبي سفيان: "فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ "، فقال أبو سفيان: "لا". فدل هذا الجواب الصادر من أشد الناس عداوة للرسول - عليه الصلاة والسلام - وقت السؤال على أنه - صلى الله عليه وسلم - معروف عند قومه بصدق اللهجة. وقد أخذ هرقل من هذا الجواب شاهداً على صدقه في دعوى الوحي، وقال: "فقد أعرف أنه لم يكن ليذرَ الكذب على الناس ويكذب على الله" (١).

وما زال - صلى الله عليه وسلم - محفوفاً بالرعاية والعصمة، حتى رفعه الله تعالى إلى مقام الرسالة العظمى، ونزل عليه الروح الأمين بالقرآن الحكيم.


(١) "صحيح الإمام البخاري".