للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويروي لنا الإمام البخاري في "جامعه الصحيح": أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع على رمال (١) حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرمال في جنبه، متكئاً على وسادة من أدم حشوها ليف، ثم قال له عمر: "يا رسول الله! ادع الله لنا فليوسع على أمتك؛ فإن فارس والروم قد وسع عليهم، وأعطوا الدنيا، وهم لا يعبدون الله"، فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان متكئاً، فقال: "أو في هذا أنت يا بن الخطاب؟! إن أولئك قوم قد عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا".

وتراه يك - صلى الله عليه وسلم - رحيم القلب، محباً للرفق، طلق المحيا.

ومن المعروف في سيرته: أنه ما ضرب أحداً قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله.

وممن روى لنا مثلاً من رحمته: مالك بن الحويرث، قال: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن شببة (٢) متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أننا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمن تركناه وراءنا من أهلنا، فاخبرناه- وكان رفيقاً رحيماً -,فقال: "ارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم، ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي (٣) ". فقوله: "وكان رفيقاً رحيماً" كلمة لا يقولها قائلها في مثل هذا المقام إلا بعد أن تقوم له شواهد على رفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورحمته من غير هذه الواقعة.

ومن شواهد ملاقاته للناس ببشر وطلاقة محيا: ما نقرؤه في جامع


(١) منسوج، والمراد: أن سريره كان منسوجاً بما ينسج به الحصير.
(٢) جمع شباب.
(٣) "صحيح البخاري".