للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبقي - صلى الله عليه وسلم - نحو ثلاث سنين يدعو خُفية حتى نزل قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: ٩٤]، فصار يدعو إلى الله في علانية، ونادى قريشاً بعيب آلهتهم، وتسفيه أحلامهم، في عبادة ما لا ينفع ولا يضر، فناصبوه العداوة، وأرادوا به وباتباعه الأذى، وكان لأبي طالب يد في حماية النبي - صلى الله عليه وسلم - من المشركين، وأما أصحابه، فمن كان له عشيرة، أو دخل في جوار ذي سطوة، هابوا جانبه، ومن لم يجد حامياً، أطلقوا أيديهم في أذيته، ولما اشتد النبلاء على المؤمنين، أذن لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة إلى الحبشة.

وكان لإسلام عمر بن الخطاب أثر كبير في إظهار الدعوة؛ حيث صار المسلمون يصلّون في الحرم، وكانوا إذا أرادوا الصلاة، خرجوا إلى الشعاب حيث لا يراهم المشركون.

قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الله تعالى بين كفار قريش، وأعظم طرق الدعوة أثرًا: تلاوة القرآن الحكيم؛ إذ نرى كثيراً من المسلمين أعلنوا إسلامهم عقب سماعهم للقرآن؛ كما أسلم عمر بن الخطاب عقب سماعه سورة منه، ويضاف إلى هذا: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحلى به من فصاحة المنطق، وبلاغة القول، واستقامة السيرة، وسماحهَ الأخلاق، وسمو الآداب، من نحو: الصبر، والرفق، وعدم مقابلة السيئة بمثلها.

وكان - صلى الله عليه وسلم - مجداً في الدعوة، حىَ إنه ذهب إلى الطائف من أجلها ماشياً، وكان يعرض نفسه على القبائل في كل موسم، ويدعوهم إلى الإِسلام، ويتلو عليهم القرآن، ويكلم كل شريف قوم (١).


(١) ممن ذكرت أسماؤهم من القبائل التي دعاها في المواسم، وعرض عليهم نفسه: بنو عامر بن صعصعة، وفزارة، وغسان، ومرة، وبنو حنيفة، وسليم، وعبس, =