للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الدلائل الباهرة التي تدل على مكانة الإمام في قلوب رجال الفكر والأدب بدمشق: أنه عندما اعتزم على الارتحال من دمشق إلى القاهرة، كتب له شاعر الشام الكبير خليل مردم بك ووزير خارجية سورية، ورئيس المجمع العلمي العربي كتاباً رقيقاً قال فيه: "سيدي! إن خير ما أثبته في سجل حياتي، وأشكر الله عليه: معرفتي إلى الأستاذ الجليل السيد محمد الخضر التونسي، فقد صحبتُ الأستاذ عدة سنين، رأيته فيها الإنسانَ العامل الذي لا تغيره الأحداث والطوارئ، فما زلت أغبط النفسَ على ظَفَرها بهذا الكنز الثمين، حتى فاجأني خبرُ رحلته عن هذه الديار، فتراءت لي حقيقة المثل: (بقدر سرور التواصل تكون حسرة التفاصل) " (١).

* الإمام في معتقل جمال باشا:

اعتُقلَ الإمام مدة ستة أشهر وأربعةَ عشرَ يوماً في شهر رمضان سنة (١٣٣٤ هـ - ١٥ أوت آب ١٩١٦ م)، وحتى الرابع من شهر ربيع الثاني ١٣٣٥ هـ، ووجهت إليه تهمة الإخلال بأمن الدولة العثمانية؛ لحضوره اجتماعاً خاض فيه المجتمِعون بسياسة الدولة، واستفتى فيه أحدُ المحامين الإمامَ عن نكث العهد من طاعتها، والخروج عليها، ودعا بعضُ الحضور إلى تأسيس جمعية للعمل على الانفصال عن الدولة العثمانية.

وبرغْمِ أن الإمام من دعاة الوحدة الإسلامية، ولا يرتضي مثلَ هذه الدعوات، إلا أن السلطة اعتبرت عدمَ إبلاغها عن الاجتماع تهمة، وأحالته إلى المجلس العرفي العسكري الذي حكم بالبراءة من حيث النتيجة، وقدم الاعتذار للإمام.

وكان من رفاقه في المعتقَل: الرئيس شكري القوتلي، وفارس الخوري،


(١) ديوان "خواطر الحياة" للإمام.