للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على اعتقاد أن خير الدين في تركها، فيكون من قبيل البدعة التركية؛ كمن يترك الصلاة في جماعة بدعوى أن صلاته في حال انفراد أجمعُ للقلب، وأدعى للخشوع. أما من ترك السنّة لغرض دنيوي، فلا يسمى لمجرد تركه السنّة مبتدعاً، كما اعتاد الناس ترك تشميت (١) الرؤساء مهابة لهم، ولو حمدوا الله تعالى بعد العطاس.

عطس المأمون مرة في محضر جماعة، فلم يشمته أحد، فقال لهم: لماذا لم تشمتوني؟ قالوا: هبناك، فقال: لا خير في مهابة تحرمني من رحمة الله. وإنما أمات هذه السنّة في مجالس الرؤساء استنكاف بعضهم من الرد على من يشمتهم، وما كان لهم أن يستنكفوا.

وإذا كانت البدع تشوه وجه الدين الحنيف في نظر من يجهلون حقائقه، فضلاً عما تجره من المفاسد العظيمة والمآثم، فمن الواجب على أهل العلم أن يحاربوها بما استطاعوا، وعلى القوة الحاكمة أن تشد أزرهم في تغييرها. وكثير من البدع لا تقتلع عروقها، ويطمس على آثارها إلا أن تتعاضد القوتان العلمية والتنفيذية على إماتتها.

قال عز الدين بن عبد السلام في رسالة (٢) أنكر فيها بدعة صلاة الرغائب: "ولما صح عند الملك الكامل -رحمه الله - أنها من البدع المفتراة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أبطلها من الديار المصرية، فطوبى لمن تولى شيئاً من أمور المسلمين، فاعان على إماتة بدعة، أو إحياء سنّة".


(١) تشميت العاطس: الدعاء له.
(٢) أوردها ابن السبكي في "طبقات الشافعية" (ج ٤ ص ١٠٥).