للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ" (١).

جاءت هذه الأحاديث، وهي تدل بظاهرها على حرمة التصوير بوجه عام، ولكن العلماء اختلفوا في حكم تصوير الحيوان والإنسان على حسب اختلاف أنظارهم في فهم هذه الأحاديث، والتفقه في علة النهي، واختيار طريق الجمع بين ما يظهر في بعضها من تعارض.

فذهب فريق إلى المنع من صنعها بإطلاق، وقالوا: تصوير الحيوان حرام بكل حال، وسواء كان في ثوب، أو بساط، أو دينار، أو درهم، أو فلس، أو إناء، أو حائط، وسواء في هذا كله ما له ظل، وما لا ظل له.

واستثنى بعض أهل العلم من منع تصوير ما له ظل: الصور التي تصنع للعب البنات؛ لما ورد فيها من الرخصة، ذكر هذا القرطبي في "تفسيره"، ونقل الماوردي في "الأحكام السلطانية": أن أبا سعيد الإصطخري من أصحاب الإِمام الشافعي تقلد حسبة بغداد في أيام المقتدر، وأقر سوق اللُّعب، ولم يمنع منها، وقال: قد كانت عائشة - رضي الله عثها - تلعب بالبنات بمشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا ينكره عليها (٢)، ثم قال: وليس ما ذكره من اللُّعب ببعيد من الاجتهاد.

وأجاز بعض أهل العلم؛ كأصبغ بن الفرج المالكي صنعَ الصور مما لا يبقى طويلاً؛ كالعجين، ومن هذا ما يصنع في شكل الحيوان من الحلوى، قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ


(١) "صحيح الإمام البخاري".
(٢) في "صحيح الإمام البخاري" عن عائشة -رضي الله عنها -، قالت: كنت ألعب بالبنات عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان لي صواحب يلعبن معي.