للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجعل للكرامة حداً، فيقول: غاية الكرامة: إجابة دعوة، أو شربة ماء في مفازة، أو كسرة في منقطعة.

ونرى أحد كبار الصوفية الأستاذ أبا القاسم القشيري (١) يقول: الكرامة لا تنتهي إلى وجود ولد من غير أبي، ولا إلى قلب جماد حيواناً.

ومن العلماء من يذكر سيرة الصحابة والسلف الصالح - رضي الله عنه -، فإذا تحدث الناس بكرامات لبعض الشيوخ لم يقع مثلها من أولئك الذين هم خير القرون، لم يقبلها لمجرد تناقل بعض الألسنة لها.

قيل لأبي حيان: ماذا تقول في الشيخ أبي مدين؟ قال: هو رجل دين، وما كان يطير في الهواء، ولا يصلي الصلوات الخمس في مكة كما يدعي فيه بعض الناس (٢).

* تعاليمه:

قد عرفت أن التصوف في الأصل: سلوك طريقة الزهد، والانقطاع إلى العبادة، ومحاسبة النفس على الأفعال والتروك، وليس لهذه المجاهدة في عهد السلف تعاليم خاصة؛ لأنها لا تزيد على العمل بما يرشد إليه الكتاب والسنّة من أحكام، ويدعوان إليه من مكارم الأخلاق، وسنيّ الآداب.

ثم إن الصوفية أخذوا يتحدثون بما يعرض لهم في أثناء المجاهدة من أحوال وخواطر، وبما ينتقلون فيه من مقامات، وصاروا يعبرون عن تلك المعاني بالفاظ جرت مجرى المصطلحات العلمية.


(١) المولود سنة ٣٧٦.
(٢) "نفح الطيب" ترجمة ابن حيان، الجزء الأول.