للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تدعو مكارم الأخلاق التاجرَ إلى أن يتسامح مع ذي الحاجة، ويعامله بالدين، ومن الحزم أن لا يعامل بالدين إلا من يثق بذمته أو ماله، ويأمن أن تكون عاقبته ضياع المال، أو حدوث عداوة أو خصام.

رغب الشارع في إسعاف ذوي الحاجات، ومعاملتهم بالدين، وعدّ هذه المعاملة من قبيل البر، وأرشد - مع هذا - أصحابَ الأموال أن يأخذوا بالحزم، ويقيموا المعاملة على شهادة، أو رهن؛ فإن الشهادة أو الرهان تقطع أسباب العداوة التي قد تنشأ عن الإنكار، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} [البقرة: ٢٨٢]، وقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣].

وأما الضرر العائد على الآخذ بالدين، فأوله: أن المستدين يضع في عنقه منَّة تجعل للدائن عليه فضلاً، وإن في المنن لثقلاً على النفوس التي تطمح إلى العزَّة في كل حال، قال بعض الحكماء: "الصبر على العسرة، أحبُّ إلي من احتمال المنن"، وقال حكيم آخر:

ما الذلّ إلا تحملُ المننِ ... فكن عزيزاً إن شئت أو فَهُنِ

ولا ينسى الآخذ بالدين أن صروف الزمان قد تأتي بما لم يخطر بالبال، فقد يطرأ على المال الذي اعتمد عليه في قضاء الدين ما يقتضي تأخيره عن وقته المعلوم، فلا يحضر عند استحقاق الدين، فيقع في وعد كاذب، وذلك ما يحترس منه أهل الفضل ما استطاعوا الاحتراس، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو في الصلاة ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم"، فقال قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم! فقال: "إن الرجل إذا غرم، حدّث فكذب، ووعد فأخلف".