للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا همَّ بالأعداء لم يثن عزمَه ... كَعابٌ عليها لؤلؤ وشنوفُ

حَصانٌ لها في البيت زيٌّ وبهجة ... ومشيٌ كما تمشي القطاة قطوفُ

وإذا كان شأن المترفين الفرار من الموت، فحق الأمة التي تريد النهوض من كبوتها أن تقلع عن الإسراف في الرفاهية، وتضع مكان الإسراف بذلاً في وجوه البر والإصلاح.

وأما أن الإسراف في الترف يسهل على النفوس ارتكاب الجور، فلأن المنغمس في الترف يحرص على اكتساب المال ليشبع شهواته، فلا لا يبالي أن يأخذه من طرق غير مشروعة، فيمد يده إلى الاستيلاء على ما في يد غيره من طريق الرشوة، أو من طريق الغصب إن كان ذا سلطان وقوة.

دعي العلامة محمد بن بشير إلى ولاية القضاء بقرطبة، فاستشار بعض أصحابه في قبول الولاية، فسأله صاحبه عن أشياء؛ ليعلم مقدار قوته في العدل، ومما قاله له: كيف حبك للأكل الطيب، واللباس اللين، والمركوب الفاره؟ قال: والله! لا أبالي ما رددت به جوعي، وسترت به بدني، وحملت به رحلي، قال: اقبل الولاية، فلا بأس عليك.

وأما أن الإسراف في الترف يذهب بالأمانة، فلأن الغريق في الترف إنما همه الوصول إلى الزينة، أو لذة مطعم ونحوه، وكثيراً ما تدفعه هذه الشهوات إلى أن يخون من ائتمنه، فيمد يده إلى المال الذي يؤتمن عليه، وينفقه في شهواته الطاغية.

وأما أن الإسراف في الترف يمسك الأيدي عن فعل الخير، فلأن من اعتاد الترف حتى أخذ بمجامع قلبه، كان أعظم قصده من جمع المال: إنفاقه فيما يلذه من مأمول، أو يتزين به من نحو ملبوس أو مفروش.