للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ١٩٠ حروب (١).

* أثر المعتزلة في الحياة العقلية:

كان علماء الشريعة يتفقهون في الكتاب والسنة، ويطلقون أنظارهم في تقرير أصول الدين، واستنباط الأحكام على قدر ما يسعه دائرة ألفاظها العربية، وإذا تراءى لهم أن تعارضاً حصل بين ظاهري نصين من الكتاب والسنة، نظروا في الوجوه التي يترجح بها أحد الظاهرين على الآخر، فأخذوا بالراجح، وأوّلو االمرجوح على وجه يزول به التعارض، وكانت هذه الدائرة من النظر كافية في رد المتشابه إلى المحكم، ومعرفة الحق من العقائد، وتمييز صحيح الاستنباط من سقيمه، وكافية في وصول الناظر إلى قرار من العلم لا تلابسه فيه شبهة، ولا يزحزحه عنه مجادل.

وكان كثير من العلماء الذين عرفوا أصول الدين حق اليقين، وأحكموا صناعة الاجتهاد في الأحكام لا يعنون بمناظرة أولي الآراء المبتدعة، بل لم يأذنوا في رد شبه المبطلين بالطرق التي لم ترد منها، قيل لمالك: الرجل له علم بالسنة، أيجادل عنها؟ قال: لا، ولكن ليخبر بالسنة، فإن قبل منه، وإلا، سكت.

وقال ابن وهب: سمعت مالكاً يقول إذا جاءه أحد من الأهواء: أما أنا، فعلى بينة من ربي، وأما أنت، فشاكّ، فاذهب إلى شاكّ مثلك فخاصمه. وجاءه رجل من أهل المغرب، فقال: إن الأهواء كثرت ببلادنا، فجعلت على نفسي إن أنا رأيتك أن آخذ بما تأمرني به، فوصف له مالك شرائع الإسلام،


(١) انظر: "معجم البلدان" لياقوت في مادة "تاهرت"، وكتاب "الأزهار الرياضية" (ص ١١٦) في أئمة وملوك الأباضية.