للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير بصير بمكارم الأخلاق.

هذَّب الإسلام إباءة الضيم، وجعلها من الخصال التي يقتضيها الإيمان الصادق، فأصبحت خلقاً إسلامياً، أينما وجد الإيمان الصادق، وجدت إباءة الضيم بجانبه، ألا تقرؤون فيما تقرؤون من الكتاب المجيد قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنانقون: ٨]، ولا عزة لمن يسومه عدوه ضيماً، فيطأطئ له رأسه خاضعاً، وإنما قتل في نفسه الشعور بالمهانة الحرصُ على الحياة، أو على شيء من متاعها، وكل متاعها في جانب العزة حقير.

يأبى الرجل الراسخ في مكارم الأخلاق أن يلحقه الضيم في نفسه، ويأبى بعد هذا أن يضام من يمتُّ إليه بصلة قرابة أو جوار أو استجارة؛ إذ اضطهاد أحد من أمثال هؤلاء يجر إليه عاراً، ويلبسه صغاراً.

ورجل الأخلاق يغضب لأن يضام المنتمي إليه بصلة قرابة، وإذا كان هذا القريب ممن يناوئه، ويضمر له سوءاً، قال المغيرة بن حنباء:

وأغْضَبُ للمَوْلى فأمنَعُ ضَيْمَهُ ... وإنْ كان غِشّاً ما تَجِنُّ (١) ضمائِرُهْ

يغار الرجل على ذوي القرابة والصداقة والجوار، ويبذل في إِنقاذهم من الضيم دمه، أو ماله، أو جاهه، فيعظم بهذه المزية في أعين من يُقدرون المكارم قدرها.

وأكبر أباة الضيم همة، وأرقاهم في سماء السيادة مقاماً، من يغار على الأمة التي يجمع بينه وبينها دين أو وطن، ويأبى أن تمسها لفحة من ضيم،


(١) تجِنُّ: تخفي.