للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدهاء والاستقامة (١)

خصلتان يبلغ بهما الرجل أن يكون عظيماً، وحقَّ لمن استولى على الأمد الأقصى منهما أن يكون زعيماً، هما: بعد النظر في استكشاف غوامض الأمور، وذلك ما نسميه: الدهاء، أو الكياسة، والسير في سبيل الرشد بقلب سليم، وذلك ما نسمّيه: الاستقامة، أو التقوى.

ولا نقصد في هذا المقام إلى الحديث عن بعد النظر في إدراك العويص من مباحث العلوم، وإنما نقصد إلى الحديث عن الدهاء من ناحية تقدير وسائل النفع والضرر، أو من حيث شعور صاحبه بما يحمل له من ضغن، أو ينصب له من كيد.

يقارن الدهاء الاستقامة، فيصرف في تدبير الوسائل التي تكفي شراً مقبلًا، أو تجلب خيراً معسراً، ويقارن زيغ العقيدة، أو لؤم الطبيعة، فيندفع بصاحبه في شعاب الباطل، ويكون نصيبه من الإفساد في الأرض فوق نصيب الغباوة؛ إذ يزيد عليها: أن يبتكر للشر فنوناً غير معروفة، ويلبس الباطل ثوب الحق، ويخرج المفسدة في لون المصلحة، فإذا لم تجد الحقائق أو المصالح دهاء يمحق دهاء المبطلين أو المفسدين، عمي على العامة أمرها، وظهرت


(١) مجلة "نور الإسلام" - العدد التاسع من المجلد الأول - الصادر في شهر رمضان ١٣٤٩ هـ - القاهرة.