للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخلاف التي لا تترتب عليها فائدة، وإما أن يحسب فيما يصف صاحبه بوصف الحطة؛ كالسحر والطلمسات.

مما يحقق أن الشرف لا يثبت للعلم إلا من حيث إنه ينبت المحامد، ويجلب السعادة: قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} [الجمعة: ٥]، الآية، فانظروا كيف ذم الذين درسوا التوراة، وأتوا عليها تلاوة، ثم أحجموا عن العمل بموجبها في أسلوب بليغ، فضرب في وصفهم مثل الحمار يحمل أسفارًا من حيث خلوَّهم عن المزية، وعدم استحقاقهم للحاق بزمرة العلماء, إذ لا ميز بين من يحمل كتب الحكمة على غاربه، وبين من يضعها داخل صدره أو دماغه إذا صدَّ وجهه عن العمل بها، وتنسحب هذه المذمة على كل من حفظ علماً طاشت به أهواؤه عن اقتفائه بصورة من العمل تطابقه.

ومن الناس من يندفع في سبيل التعليم، فيتلقف المسائل على غير بينة من أمرها، ويضمها في حفظه جئدها على رديها، بدون أن يتفقه في ثمرة وضعها وتدوينها، ولا يتدبر كيف انصرفت الأفكار إلى استنباطها، وما الصنع الذي اقتحمته حتى تمكنت من اقتناصها، فأمثال هذا هم الذين إذا سمعوا مناديًا ينادي اسم العلماء، جاؤوا إليه يهرعون، وإذا وقف العاملون على ساق الاجتهاد، وشدّوا حيازيمهم للسعي، رأيتهم اضطجعوا على صماخ آذانهم يتماوتون.

ومنهم من يأخذ القضايا العلمية، فيدير فيها نظره يميناً وشمالاً، ويجمع بين طرفي مبدئها وغايتها، فإذا نزلت في أعماق صدره، واختلطت بمسلك روحه، اشتد حرصه على الاحتفاظ بها، وأصبح يغار لعدم إجراء العمل