للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القنوت، والتحيات، وكثير من الأدعية التي يدعو بها في أوقات خاصة.

رابعها: الأحاديث التي وردت من طرق متعددة، واتحدت ألفاظها، فاتحاد الألفاظ مع تعدد الطرق دليل على أن الرواة لم يتصرفوا في ألفاظها، فإن كان تعدد الطرق يبتدئ بمن رووه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالأمر واضح، فإن انفرد بروايته صحابي، وتعددت طرق روايته عن الصحابي، صح الاستشهاد به أيضاً؛ إذ تصرُّف الصحابي في الحديث - على تقدير تصرفه فيه - لا يمنع من الاستشهاد به؛ لأن ألفاظ الصحابة مما يحتج به في العربية.

ومجمل القول: أن الأحاديث التي تتعدد طرقها، ويتحد لفظها، تصلح للاستشهاد متى كانت تلك الطرق المتعددة متصلة براو يحتج بعبارته في الأحكام اللغوية.

ويعتمد في تقرير أحكام اللفظ على أشعار الجاهلية؛ كامرئ القيس، وزهير، والمخضرمين، وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام؛ كحسان، ولبيد، والإسلاميين، وهم الذين نشؤوا في صدر الإسلام؛ كالفرزدق، وذي الرمة. وأما المحْدَثون، وهم المولَّدون، وتبتدئ طبقتهم ببشار بن برد، فلا يحتج بشيء من أشعارهم في أحكام اللسان؛ وكان بشار قد هجا الأخفش، فأورد الأخفش في كتبه شيئاً من شعره؛ ليكفَّ عنه (١)، وكذلك سيبويه استشهد بشيء من شعر بشار؛ تقرباً إليه؛ لأنه كان قد هجاه لتركه الاحتجاج بشعره (٢)، واستشهد أبو علي الفارسي في كتاب "الإيضاح" ببيت أبي تمام:

من كان مرعى عزمه وهمومه ... روض الأماني لم يزل مهزولا


(١) كتاب "الموشح" للمرزباني.
(٢) "خزانة الأدب" للبغدادي.