للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يعمد الشاعر إلى بعض المعاني، وينفيه عن أفراده المعهودة، ويثبته لأفراد مفهوم آخر، وتجد هذا في قول بعضهم:

ليس من مات فاستراح بميْت ... إنما الميتُ ميِّتُ الأحياء

إنما الميْت من يعيش كئيباً ... كاسفاً بالُه قليلَ الرجاء

فقد نفى أن يكون من قضى نحبه ميتاً، وأطلق اسم الميت على من فاضت نفسه كآبة، وضاق صدره يأساً، على طريقة القصر، بدعوى أن المعنى الذي علق عليه الواضع اسم الميت إنما يتحقق فيمن يعيش في نكد وبلاء لا يرجو خلاصاً منه، والذي أخذ به إلى هذه الدعوى: ما تخيله من أن خواص الراحل إلى القبر، وهي مفارقة ما كان يتمتع به من طيبات الحياة، وانقطاع أمله منها، ونكث يده من العمل فيها، توجد بأجمعها في الكئيب اليائس من صفاء العيش، بأشد مما توجد فيمن ركبوا مطية المنون، حيث يزيد عليهم في الشقاء بأنه يصلى نار الحسرة والأسف بكرة وعشياً.

وقد يكون الأمر مربوطاً بعلة محققة ظاهرة، فيضرب عنها، ويخترع له علة من عنده، وتجد هذا في قول أبي العباس الضبّي:

لا تركنَنَّ إلى الفرا ... ق فإنه مرُّ المذاق

فالشمس عند غروبها ... تصفرُّ من فَرَقِ الفراق

ادعى أن العلة في الاصفرار الذي يبدو على وجه الشمس حين تتدلى إلى الغروب، وتنطفئ بهرتها، إنما هو الوجل والهلع من مفارقة الناس الذين طلعت عليهم ذلك اليوم، حيث اتصلت بينهم وبينها - فيما يزعم - عاطفه ألفة وإيناس.

ومما صَنَعْتُ على هذا النمط وقد أخذ البَرَدُ يتساقط في حديقة: