للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضربوا المثل لهذا يقول الفرزدق:

وعضَّ زمان يابن مروان لم يَدَعْ ... من المالِ إلا مُسحَتاً أو مُجلفُ

المُسحَت: المُهلَك، والمجلف: الذي بقيت منه بقية، فالنظم يقتضي نصب مجلف عطفًا على المنصوب قبله وهو"مسحتاً"، ولكن الشاعر أتى به مرفوعاً، وليس لرفعه وجه ظاهر، وأراد بعض النحاة أن يخلصه من وصمة الخطأ في الإعراب فجعله خبراً لمبتدأ محذوف، والمعنى: "أو هو مجلف"؛ وإذا نفع هذا الوجه الشعر، وخلّصه من عيب اللحن، فإنه لا يمنع الناقد من أن يجعله دون منزلة الشعر الذي يستقر معناه في الأذهان لأول ما يقع لفظه على الأسماع.

ومن مآخذ المركَّب: خروجه عن قانون علم البلاغة، فيجيء غير مطابق لمقتضى المقام؛ ومن أمثلة هذا العيب: أن عبد الرحمن بن حسّان سأل بعض الولاة حاجة، فلم يقضها، ثم بعث إليه شفيعاً، فقضاها له، فقال:

ذُممت فلم تُحمد وأدركت حاجة ... تولّى سواكم أَجْرَها واصطناعَها

أبي لك كَسْبَ الحمدِ رأيٌ مقصِّرٌ ... ونفسٌ أضاق اللهُ بالخيرِ باعَها

إذا هي حَثَّتْهُ على الخيرِ مرةً ... عصاها وإن همَّت بشرٍ أطاعها

وموضع العيب في رأي علماء البلاغة هذا البيت الثالث، فقد جاء على خلاف ما يقررونه من أنّ (إذا) تستعمل فيما يكثر وقوعه، (وإنْ) تستعمل فيما لا يقع إلا نادرًا، ومقام الهجاء يقتضي أن نفس ذلك الوالي تحثه على الخير قليلاً، وأنها تهمُّ بالشر كثيراً، وهذا يقتضي أن يأتي في جانب الحث على الخير بـ (إنْ)، وفي جانب الشر بـ (إذا)، ولكن الشاعر جرى