للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال فيها أيضاً (١): "فإذاً يحتاج صاحب هذا الفن إلى العلم بقواعد السياسة، وطبائع الموجودات، واختلاف الأمم والبقاع والأعصار في السير والأخلاق والعوائد، والنحل والمذاهب، وسائر الأحوال، والإحاطة بالحاضر من ذلك، ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق، أو بون ما بينهما من الخلاف، وتعليل المتفق منها والمختلف، والقيام على أصول الدول والملل، ومبادئ ظهورها، وأسباب حدوثها، ودواعي كونها، وأحوال القائمين بها وأخبارهم، حتى يكون مستوعباً لأسباب كل حادث، واقفاً على أصول كل خبر. حينئذ يعرض خبر المنقول على ما عنده من القواعد والأصول، فإن وافقها، وجرى على مقتضاها، كان صحيحاً، وإلا، زيفه، واستغنى عنه".

ولا بدع أن ينبت الشرق رجالاً لا يستقبلون المطالب العلمية إلا بعقولهم، فإن من يتلو القرآن - ولو بغير تدبر - يعرف أن من مقاصد الإسلام: بعث العقول من مراقد الخمول، وتحريرها من أسر التقليد، فتراه يدعو بالبرهان وبيان الحكمة، غير مقتصر على الموعظة والمعجزات المشهودة، ويطالب ذوي الآراء المبتدعة بالحجة، ويذم كل من قلد في عقيدة ما له بها من سلطان.

والآيات المتضافرة في هذا المعنى قد نفخت في العقول روح التفكير، وانطلقت بها تخوض في كل علم، وتبحث في كل واقعة. فالمذهب الذي يرى للباحث أن يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن مما قيل فيه، لا يسخط


(١) (ص ٢٣).