للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* الشعر الديني في الحياة الجاهلية:

قال المؤلف في (ص ١٨): "فأما هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين، فيظهر لنا حياة غامضة جافة بريئة، أو كالبريئة من الشعور الديني القوي العاطفة الدينية المسلّطة على النفس، والمسيطرة على الحياة العملية، وإلا فأين تجد شيئاً من هذا في شعر امرئ القيس أو عنترة؟! أو ليس عجيباً أن يعجز الشعر الجاهلي كله عن تصوير الحياة الدينية للجاهليين؟! ".

هذه الشبهة مما استلبه المؤلف من مقال (مرغليوث)؛ حيث يقول: "تجد في هذه الأشعار ما يبعث على الدهشة، فشعراء كل أمة يشرحون دينهم وعقائدهم شرحًا واضحاً، والمخطوطات العربية مملوءة بذلك، ففي كل مخطوطة نجد اسم معبود أو أكثر، وأشياء تتعلق بعباداتهم ... وقلّما نعثر في هذه الأشعار على شيء يتعلق بالدين إلا نادراً".

وقد تعرض جرجي زيدان في "تاريخ آداب اللغة العربية" (١) إلى هذه الشبهة وما يدفعها، فقال: "أما العرب، فيخالفون العبرانيين من حيث الشعر الديني؛ لأنه لم يكن عندهم في الجاهلية كما كان عند العبرانيين، ولا يعقل أنهم خالفوا إخوانهم فيه، ولا بد أنهم نظموا الأشعار، وخاطبوا بها هبل واللات والعزّى وغيرها، واستعطفوها، وصلّوا إليها، وتخشعوا لها، ولكن منظوماتهم في هذا الموضوع ضاعت في ثنايا الأجيال؛ لعدم تدوينها، ولاشتغالهم عنها بالحماسة والفخر بسبب الحروب التي قامت بينهم قبل الإسلام. فلما جاء الإسلام، أغضى الرواة عنها؛ لأنها وثنية، والإِسلام يمحو ما كان قبله".


(١) (ج ١ ص ٥٦).