للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غريب مسجوع، واشتمال الكلام على الغرابة والسجع غير كاف في الحكم عليه بالاختلاق.

أما الغرابة، فإن المعزوّ إليهن هذا الحديث عرب، والألفاظ من نوع اللغة المستعملة في محاوراتهم ومسامراتهم، وقد تكون غريبة بالنسبة إلى الناشئ في غير عهدهم؛ حيث لا تلاقيه هذه الكلمات في كلام فصحائهم إلا قليلاً.

وأما السجع، فنحن نعلم أنه أقرب منالاً، وأيسر من صناعة الشعر، بل هو أدنى مأخذًا من الرجز. والتواتر شاهد بأن في الناس من يقول الشعر أو الرجز على البداهة، ومتى صحّ ارتجال الكلام الموزون، لم يكن في الحديث الجاري على أسلوب السجع غرابة تدعو إلى الحكم عليه بالاصطناع، ومن المحتمل أن يكون الفتيات كالفتيان يتدربن لذلك العهد على طريقة السجع حتى ينقاد لهن، ويجري على ألسنتهن كما يجري عليها المرسل من القول، ونحن لا نذهب إلى أن مثل هذه القصة داخل في التاريخ الموثوق بصحته؛ لأن طريق روايتها لا يكفي في الدلالة على أنها وقعت حقاً، ونرى -مع هذا- أن الباحث الحكيم، وهو الذي يفصل الحكم على قدر البحث، لا يقول على حديث: "إنه لم يُقل" إلا أن يأتي في بحثه بما يستدعي هذا الحكم القاطع، وقد عرفتم أن المؤلف إنما وضع حكمه على غرابة الكلام وسجعه، وهما جائزان على العربي القح، فلا تدخل هذه القصة وأمثالها في قبيل ما يحكم عليه بأنه كذب لا محالة، ولا تتعدى في نظر المؤرخ المحقق موقع الظن الذي يسوغ له تدوينها لينتفع بما فيها من أدب، وليتألف من مجموع أخبارها ما يكون كالمرآة ينظر فيه كيف كان حال المرأة في الجاهلية.