للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما يقبل من ناحية هذه الحجج إنما يأخذ من النفوس مأخذ المقطوع بصحته، ولا يستطيع العلم والمنطق لمخالفته طلباً. أما ما جاء من طريق الرواية، فذلك منتهى ما وصلت إليه أيدي الرواة، فما لاحت فيه أمارة الوضع، طرحوه، وما لم يروا في نقده وجهاً يقتضي إنكاره، دوّنوه وتناقلوه. وللمؤلف أن يبحث فيما سكتوا عنه، وينقده بطريق علمي غير هذه الآراء التي جمع شملها بعد شتات، وغير هذه الكليات المرمية عن غير بحث واستقراء.

وقد تحدث قبله جرجي زيدان عن مثل عاد وثمود، فقال في كتاب "العرب قبل الإِسلام" (١): "وأكثر مبالغات العرب في القبائل البائدة، حتى سبق إلى أذهان المحققين من غير المسلمين أنها موضوعة، ولولا ورود بعضها في القرآن والحديث، لقال المسلمون ذلك أيضاً. على أن ورود أسمائها وبعض أخبارها في كتب اليونان وغيرهم أثبت وجودها، وجاءت الاكتشافات الأثرية بما يؤيد ذلك، مع إظهار المبالغة في روايات العرب".

* تبع وحمير وسيل العرم:

قال المؤلف في (ص ١٠٤): "وكل ما يروى عن تبع وحمير، وشعراء اليمن في العصور القديمة، وأخبار الكهان، وما يتصل بسيل العرم، وتفرق العرب بعده، موضوع لا أصل له".

أما تبع، فقد قال ابن خلدون: "وفي أنساب التبابعة تخليط واختلاف، لا يصح منها ومن أخبارها إلا القليل" (٢). وتكلم جرجي زيدان في تاريخ


(١) (ص ٩).
(٢) (ج ٢ ص ٤٤).