للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا النوع من التصرف في أقوال أهل العلم مما يغمز في أمانة صاحبه. وقد يغمض عنه الطرف في المقالات الأدبية، أو في مقام الوعظ، أما الباحث في العلم، فإنه حقيق بأن يؤاخذ به، وبالأحرى حيث يكون بصدد بيان رأي أو حكم انتصب لمناقشته أو نقضه.

وأعجب من هذا قوله بعد: لأنه نائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس عند المسلمين مقام أشرف ... إلخ؛ فإنه ساق هذه الكلمة مساق التعليل لما عزاه إلى المسلمين في حق الخلافة، ومقتضى نسج الكلام: أن المسلمين يرون أن الخليفة بلغ الغاية التي لا مجال فوقها لمخلوق من البشر. وهذه الكلمات إنما هي من مصنوعات قلم المؤلف، وعليها طابع مبالغته الشعرية. والميزان الذي يرجع إليه المسلمون في المفاضلة بين البشر إنما هي الأعمال الصالحة المشار إليها بقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣]. فمنزلة القائد الخطير ينقذ الأمة من سطوة عدو هاجم، والعالم الحكيم يحميها من ضلالات مبتدع خليع، هي أسمى في نظر المسلمين من صف له الخليفة إذا لم يكن له من العمل ما يساوي عملهما في عظيم الأثر، وشرف الغاية.

ولم يزد أولئك العلماء أن قالوا في الخليفة: إنه نائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وهذا لا يقتضي أن يقال: سما إلى مقام رسول الله - عليه السلام - وبلغ الغاية التي لا مجال فوقها لمخلوق. ولو جرينا على هذا الضرب من الاستنتاج، لقلنا: قال الله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: ٢٦]، فداود - عليه السلام - سما إلى مقام الألوهية، أو بلغَ الغاية التي لا مجال فيها لمخلوق. وهذا الضرب من الاستنتاج باطل بالبداهة، فليكن ما صنعه المؤلف خارجاً عن الأقيسة الصادقة.