للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ عمر بيده، وبايعه الناس".

فأنت ترى كيف بويع أبو بكر الصديق، وليس حوله قوة مال، ولا جند، ولا سلاح، ولم تصدر منه كلمة تؤذن بتهديد أو إكراه، وقصارى ما وقع في المحاورة: أن بعض الأنصار قالوا للمهاجرين: منا أمير، ومنكم أمير، وردّ عليهم أبو بكر بأن هذا الأمر لن يعرف إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً. ثم أشار عليهم بمبايعة عمر بن الخطاب، أو أبي عبيدة، ولما أكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، أوجس عمر خيفة من أن ينحدر بهم الاختلاف إلى عاقبة سيئة، فلم يتمالك أن بسط يده إلى مبايعة أبي بكر، وامتدت أيدي المهاجرين والأنصار على أثره، فانعقدت البيعة من أهل الحل والعقد عن اختيار منهم، ولو كفوا أيديهم، ولم يتابعوه على المبايعة، لم تنعقد كما نص عليه أبو المعالي في كتاب "غياث الأمم".

ونحن نرى أن عمر بن الخطاب لم يبسط يده إلى المبايعة، إلا بعد أن عرف أن معظم المهاجرين والأنصار يرون رأيه في أن أبا بكر الصديق أحق الناس بالخلافة، ومن شواهد هذا: أن الحاضرين بسقيفة بني ساعدة لم يتباطؤوا عن متابعة عمر في المبايعة، ثم إن أبا بكر الصديق جلس من الغد على المنبر، وبايعه الناس البيعة العامة بعد بيعة السقيفة (١)، وهؤلاء المبايعون هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين جاهدوا في الله حق جهاده، وتعلموا عن الرسول - عليه السلام - فضيلة الصراحة وعدم السكوت عن قول الحق،


= والصحابي الجليل، ولد بمكة المكرمة، وتوفي بغور بيسان.
(١) "ابن جرير الطبري" (ج ٨ ص ٨٢٨) طبعة أوربا.