للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مستبدون، فانتظم له قياس منطقي من الشكل الأول، وهو: ملوك الإسلام مستبدون، وكل مستبد يضغط على العلم، فالنتيجة: ملوك الإسلام يضغطون على العلم.

ولكن ماذا ينفع هذا القياس، والتاريخ الصحيح يشهد بأن خلفاء الإسلام وملوكه رفعوا لواءَ العلم، ومنهم انبعثت أشعته إلى الشرق والغرب، قال (رويودان) الإنجليزي في كتاب "تاريخ الموسيقا": "بعد فتح بلاد الفرس، أصبحت ينابيع العرفان تنهمر إلى العرب على طريق دمشق وحلب وإسكندرية، وتجري على سواحل أفريقية الشمالية إلى بلاد إسبانيا، حتى انتهت إلى قرطبة التي أنشاها الأمويون، فأصبحت مركز العلوم والمعارف إلى أنحاء أوروبا".

وقال: "إن العرب في القرون الوسطى كانوا حملة العلم والعرفان إلى بقية أنحاء العالم، وبينما كانت أوروبا غارقة في أشد دياجير الجهل ظلاماً، كان الخلفاء في بغداد عاصمة ملكهم، وقد بلغوا أعلى شأوٍ في المدنية والعرفان؛ لأنهم كانوا ملوكاً لممالك عظيمة، تمتد من نهر الغنج شرقاً، إلى المحيط الأطلنتيكي غرباً؛ حيث توجد طنجة".

وقال: "وبفضل سهرهم -يعني: خلفاء قرطبة- على العلوم، أصبح أطباء العرب وفلاسفة قرطبة حملة راية العلم في العالم".

وإذا حكى التاريخ أن المتوكل العباسي (١) في الشرق، والمنصور بن أبي عامر في الغرب اضطهدا الفلسفة، فذلك شيء لا يذكر إزاء النهضة التي


(١) جعفر بن محمد بن هارون الرشيد (٢٠٦ - ٢٤٧ هـ = ٨٢١ - ٨٦١ م) من الخلفاء العباسيين، ولد ببغداد، وتوفي بسامراء.