للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُستأنف النظر في القضية على طريق الاجتهاد الصحيح.

وتجد: الإرشاد إلى أن الحاكم لا يقبل الشفاعة في إسقاط الحدود بعد أن ترفع إليه. لأن قبول الشفاعة فيها يخفف الرهبة من سطوتها، ويفتح طريقاً لسهولة ارتكاب الفواحش والموبقات؛ حيث يعتمد المجرمون على شفاعة تنقذهم من عقوبتها، تجد هذا في قصة أسامة بن زيد حين تقدم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شافعاً في امرأة مخزومية وقعت في سرقة، فقال له: "أتشفع في حد من حدود الله؟! " (١)، وخطب خطبته التي قال فيها: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمد يدها".

يقصد الشارع إلى تنقية القلوب من دنس التقاطع والبغضاء، وفصلُ الخصومات فريضة محكمة، وصولة يخرّ لها الباطل صعقاً، ولكنه لا ينزع الأضغان الواغرة في الصدور، فدخل في سنّة القضاء: دعوة الخصوم إلى الصلح، حتى إذا طابت نفوسهم لذلك، تبلج وجه الحق، وانقلبت العداوة إلى تآلف وصفاء، ومن الدليل على أن الإصلاح بين الخصوم من أدب القضاء: حديث كعب بن مالك، (٢) وهو: "أنه تقاضى ابن حدرد ديناً كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سَجْف حجرته، فنادى: يا كعب! قال: لبيك يا رسول الله، فأومأ إليه؛ أي: الشطر، قال: لقد فعلت يا رسول الله، قال: قم فاقضه" (٣).


(١) "صحيح البخاري" (ج ٨ ص ١٦٣).
(٢) كعب بن مالك بن عمرو (... - ٥٠ هـ = ... - ٦٧٠ م) صحابي، ومن كبار الشعراء، ومن أهل المدينة، له ٨٠ حديثاً.
(٣) "صحيح البخاري" (ج ٣ ص ١٨٧).