للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالشريعة تحدثت عن نظام السياسة، وفي قواعد الشورى، ولكن بلسان أوتي جوامع الكلم، وخطاب يفهمه الذين يحملون في صدورهم قلوباً باصرة، وسرائر خالصة.

* مكانة الصحابة في العلم والفهم:

يقول المؤلف: لماذا لم نعرف نظامه في تعيين القضاة والولاة؟

جواب هذا السؤال: هو ما كنا بصدد بيانه؛ من أن الشريعة يهمها أن يقوم القضاء على القانون العادل، ورعاية الحقوق، وقد سنت القوانين العادلة، وأرشدت إلى بعض النظم القضائية بتفصيل، ولوّحت بسائرها إلى اجتهاد القاضي وذكائه، فيتبع ما يلائم طبيعة الحال ومقتضى المصلحة. وقد كان قضاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العلم والكفاية لهذا المنصب بالمكانة العليا، ولم يكن الصحابة - رضي الله عنه - كل بمنزلة الأميين الذي يعيشون في دائرة محدودة من التعقل، بل كانوا يتفقهون في مقتضيات الاجتماع، ويغوصون على فهم السنن الكونية، ويعرفون كيف ينتزعون الأحكام من مآخذها، يشهد بهذا كله التاريخ الصحيح، وآثارهم في قلب العالم من هيئة متخاذلة بالية، إلى هيئةٍ نظر إليها أساتذة السياسة بإعجاب، وخرّ لها عشاق العدالة سجداً.

إن المسلم الذي يصدّق بما بين دفتي كتاب الله يجد في آياته: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: ٢]، فما كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤون الكتاب بألستنهم، وأفئدتُهم هواء، وإنما كانوا يتدبرونه بفطر سليمة، وينظرون ماذا في السموات وما في الأرض ببصائر نيّرة، وما يتشابه عليهم من أمر يعرضونه على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيكشف ما غُمّ عنهم، ويهديهم إلى