للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال شهاب الدين القرافي في "قواعده": "إن الأحكام تجري مع العرف والعادة، وينتقل الفقيه بانتقالها، ومن جهل المفتي جمودُه على المنصوص في الكتب غير ملتفت إلى تغير العرف؛ فإن القاعدة المجمع عليها: أن كل حكم مبني على عادة، فإذا تغيرت العادة، تغير الحكم، والقول باختلاف الحكم عند تبدل الأحوال لا يستلزم القول بتغيره في أصل وضعه، والخطاب به، وإنما الأمر تدعو إليه الحاجة عند قوم، أو في عصر، فيكون مصلحة، وتتناوله دلائل الطلب، فإن لم تقتضه عادتهم، ولا تعلقت به مصلحتهم، دخل تحت أصل من أصول الإباحة أو التحريم".

وقال أبو إسحاق الشاطبي في كتاب "الموافقات" (١): "واعلم أن ما جرى ذكره هنا من اختلاف الأحكام عند اختلاف العوائد، فليس في الحقيقة باختلاف في أصل الخطاب؛ لأن الشرع موضوع على أنه دائم ... وإنما معنى الاختلاف: أن العوائد إذا اختلفت، رجعت كل عادة إلى أصل شرعي يحكم به عليها".

ومما يوضح أن أحكام الشريعة تجري بحسب اختلاف الزمان والمكان: قول عز الدين بن عبد السلام في "قواعده": "تحدث للناس أحكام بقدر ما يحدثون من السياسات والمعاملات والاحتياطات".

وقال شهاب الدين القرافي أيضاً: "إن التوسعة على الحكام في الأحكام السياسية ليس مخالفاً للشرع، بل تشهد له القواعد، ومن جملتها: أن الفساد قد أكثر وانتشر بخلاف حاله في العصر الأول، ومقتضى ذلك: اختلاف الأحكام بحيث لا تخرج عن الشرع" (٢).


(١) (ج ٢ ص ١٨٠) طبع تونس.
(٢) "التبصرة" لابن فرحون (ج ٢ ص ١١٤).