للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قدميه، وهو قادر على أن يتمتع بملاذها كما تتمتع الملوك، لا تحمل مساعيه إلا على مقصد أسمى وأشرف من خدمة القومية وحدها، وهو امتثال ما أمر الله به من مدِّ ظلال هذا الدين حتى لا تكون فتنة.

وهذا عمر بن عبد العزيز -الذي كان ينسج في سياسته على منوال الصدّيق والفاروق- كتب إليه عدي بن أرطاة (١) يقول له: "إن الناس قد كثروا في الإسلام، وخفت أن يقل الخراج"، فكتب إليه عمر: "فهمت كتابك، والله! لوددتُ أن الناس كلهم أسلموا، حتى أكون أنا وأنت حراثين نأكل من كسب أيدينا (٢) ".

فالمؤلف يريد أن يقبض روح الإخلاص من سيرة الخلفاء الراشدين، ويبخس أعمالهم الجليلة قيمتها. وإذا التقت الضمائر النقية بالتاريخ الصحيح، يحدثها بأن أولئك السراة رفعوا لواء الحق، وجدعوا أنف الباطل، فجعل الله لهم لسان صدق في الآخرين، وكانوا واسطة عقد القوم المصلحين.

قال المؤلف في (ص ٩٣): "كان معروفاً للمسلمين يؤمئذٍ: أنهم إنما يقدمون على إقامة حكومة مدنية دنيوية. لذلك استحلوا الخروج عليها، والخلاف لها، وهم يعلمون أنهم إنما يختلفون في أمر من أمور الدنيا، لا من أمور الدين، وأنهم إنما يتنازعون في شأن سياسي لا يمس دينهم، ولا يزعزع إيمانهم".

الاختلاف في المسائل العلمية ينشأ من اختلاف الآراء فيما يصلح،


(١) عدي بن أرطاة الفزاري (... - ١٠٢ هـ = ... - ٧٢٠ م) من الولاة الشجعان، ومن أهل دمشق، وقتله معاوية بن يزيد في واسط.
(٢) "سيرة عمر بن عبد العزيز" لابن الجوزي (ص ٩٩).