للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعرب -على ما ترى- قد انتقضت بك، فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين، فقال أبو بكر: والذي نفس أبي بكر بيده! لو ظننت أن السباع تخطفني، لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يبق في القرى غيري، لأنفذته (١) ". فهذه القصة تنبئك بقوة يقين أبي بكر، وأنه يستخف بكل ثورة لا دينية؛ فقد أنفذ جيش أسامة امتثالاً لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع أنه لو أمر بإقامته، لوجد في المسلمين عاذراً، ومن الشرع مسوغاً.

فالذي بلغت به قوة الإيمان هذا المبلغ العظيم، لا يحق لأحد أن يرميه باختلا لقب ديني؛ لينتفع به في تكوين دولة لا دينية.

* هل يقال: "خليفة الله

قال المؤلف في (ص ٩٦): "ولقد حسب نفر منهم: أن خلافة أبي بكر للرسول - صلى الله عليه وسلم - خلافة حقيقية بكل معناها، فقالوا: إن أبا بكر خليفة محمد، وكان محمد خليفة الله، فذهبوا يدعون أبا بكر: خليفة الله، وما كانوا يكونون مخطئين في ذلك، لو أن خلافة الصدّيق للنبي - عليه السلام - كانت على المعنى الذي فهموه، ولا يزال يفهمه كثير غيرهم إلى الآن، ولكن أبا بكر غضب لهذا اللقب، وقال: لست خليفة الله، ولكني خليفة رسول الله ".

من أهل العلم من منع أن يسمّى بخليفة الله نبي أو غير نبي، وعلى هذا المذهب جرى شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنّة" (٢)؛ بعلة أن الخلافة لا تكون إلا عن غائب، والله مع الخلق أينما كانوا، وتأول آية:


(١) "تاريخ ابن جرير" (ج ٣ ص ٢٢٢).
(٢) (ج ١ ص ١٣٧).