للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعناية كبيرة، فأرسل الحِكَم التي تربي في النفوس خلق البطولة، وحفز الدواعي لإعداد وسائل الحرب، ونبه لا تباع النظم التي تخفف وطأة الحرب، وتقرب من النصر.

فالظفر في الحرب بعيد من الجبناء، وبعيد ممن لا يعدون للحرب عدتها، وبعيد ممن يهملون النظم التي يمليها العلم، أو يستمدها القواد الأذكياء من الوقائع نفسها.

أما عناية القرآن الكريم بخصلة البطولة والإقدام، فقد أقبل على النفوس، وأخذ ينقيها من رذيلة الجبن والإحجام، ويذكرها بسوء عاقبة الجبناء؛ كقوله تعالى:

{كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: ٨].

فقد أشارت هذه الآية إلى أن عاقبة الجبناء الابتلاءُ بذي قوة لا يعرف للعهد حرمة، ولا يقيم للعدل وزناً، ومن الذي يرتاب في أن الموت في مواطن البطولة أشرف من حياة يغمرها الذل والهوان؟ قال المتنبي:

غير أن الفتى يلاقي المنايا ... كالحاتٍ ولايلاقى الهوانا

وإذا لم يكن من الموت بد ... فمن العجز أن تموت جبانا

ومن الآيات المنبهة على أن الجبناء قد فقدوا جانباً من رجولتهم: قوله تعالى في توبيخ قوم تأخروا عن المحاربين في سبيل الإصلاح، وقعدوا بين من لم يخلقن للطعن والضرب:

{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة: ٨٧].

ولا يتوارى الرجل عن أعين القوم، أو يسل يده من أيديهم في حرب لهم فيها أمن أو سيادة إلا أن يكون حظه من الرجولة ضئيلاً أو مفقوداً.