للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما اتخذه القرآن وسيلة لتربية الشجاعة في النفوس: عقيدة القضاء والقدر، فقال تعالى في الرد على قوم يظنون أن من لا يخرجون إلى القتال تمتد آجالهم:

{لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: ١٥٤].

وقال تعالى:

{الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: ١٦٨].

فالإنسان مطالب بالحذر من مواقع الخطر والتهلكة، ولكن الإقدام في الدفاع عن العزة والكرامة لا يعد من قبيل الإلقاء بالنفس في تهلكة، وإنما هو قيام بواجب، فإن قضاه وعاد سالماً، فقد استحق الحمد، وعرف أن أجله لم يجئ بعد، وإن أصيب فقتل، فإنما هو أجله المقدور الذي لا يتأخر ساعة ولا يتقدم قد أدركه في أشرف حالة، هي المسابقة إلى دفع أيدٍ عادية عن نفوس بريئة، أو أعراض مصونة، وأموال محترمة.

وأما عناية القرآن بإعداد وسائل الدفاع، فحسبنا شاهداً عليها: قوله تعالى:

{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠].

وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - القوة بالرمي؛ نظراً إلى أن الرمي أهم وسائل الدفاع، وأقواها أثراً في الانتصار، وما زلنا نرى معظم أسباب الفوز في الحروب عائداً إلى الرمي، فالمدافع والطائرات والغواصات إنما تفعل ما تفعل بقوة الرمي.