للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالأذى لمن لم ينصبوا أنفسهم للقتال؛ كالرهبان، والفلاحين، والنساء، والأطفال، والشيخ الهرم، والأجير، والمعتوه، والأعمى، والمصاب بالزمانة (١)، بل من الفقهاء من لا يجيز قتل الأعمى والزَّمِن، ولو كان من ذوي الرأي والتدبير في الحرب.

ولو أردنا الإفاضة في تفاصيل مبادئ الإنسانية العليا في أحكام الإسلام الحربية لاحتجنا إلى تأليف كتاب؛ لأنه لا يتسع له مقال في الصحف.

أما المعاهدون، وهم الذين انعقد بهم وبين المسلمين عهد على السلم، فيجب على المسلمين الوفاء لهم بعهدهم كاملاً، وأن يستقيموا لهم ما استقاموا للمسلمين.

وقد وصى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته بالذين بينهم وبين المسلمين معاهدة، فقال: "من ظلم معاهداً، أو كلفه فوق طاقته، فأنا خصمه يوم القيامة".

وحتى لو توقع المسلمون الغدر والخيانة من عدوهم المعاهد، فلا يجوز لهم أن يعجلوهم بالقتال إلا بعد إنذارهم وإعلانهم إلغاء حالة السلم التي كانت بين الفريقين.

وهذا معنى قول الله -عَزَّ وَجَلَّ- في سورة الأنفال: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: ٥٨} ومن تمام ذلك قوله سبحانه في سورة التوبة:: {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٤]. ثم قوله بعد قليل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: ٦].


(١) الزمانة: مريض يدوم.