للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الشهر المذكور (شهر رمضان سنة ١٣٢٢ هـ) (١)، واتخذت سبيلي في البر؛ لأنه أجمل منظراً، وأقل خطراً، فانسحب بنا القطار وهو يطوي البيد طياً، ويجوب من المفاوز الفسيحة مكاناً قصياً، إلى أن نفخ نفخة الغيور الكريم، ثم سار سيراً رويداً، واستوى على محطته الواقعة على جناح من بلد "سوق أهراس" (٢) في الساعة الرابعة مساء.

فهبطت متدلياً إلى المنزل الذي أعدّ لنا، وبعد أن نفضت نقع على ما علق بنا من النصب، تطوفنا في أغلب مناهجها المتسعة، وفسحنا الخاطر في بناءاتها المتناسبة، ولعدم أكبر ساحتها يمكن الإحاطة بها في مدة وجيزة. وعند مغيب الشفق توجهت إلى مسجد لاغتنام فضيلة الجماعة، وبعد أن قضيت الصلاة، وتأهبنا للانصراف، قام من الجماعة رجل تلوح على وجهه سمة أهل العلم، ودنا مني، وسلم عليّ سلام ذي المعرفة، ثم مسك بيدي، وتقدم بي إلى محراب المسجد، وأومأ إلي بالجلوس، ثم استدارت الجماعة على هيئة درس، ورأيت في يد أحدهم سفراً، فالتفت إلى ذلك الفاضل، وقلت له: هل لكم درس في هاته الساعة؟ فقال: نعم، درس في التوحيد، ولكن نريد أن نعوضه بمسامرة علمية معكم. فجرت على بساط المسامرة مسائل بعضها في العبادة، وبعضها في غير ذلك، منها: قول بعض المسترشدين: هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحلق رأسه أم لا؟ وما حكم عدم الحلق؟

فكان الجواب: أن الآثار الصحيحة تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحلق لغير نسك، فيحتمل أن يكون ترك الحلق من باب ترك الأخذ بالعرف، والجري


(١) ويوافق يوم ١٢ تشرين الثاني - لعام ١٩٠٤ م.
(٢) سوق أهراس: بلدة على الحدود الجزائرية التونسية.