للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هذا القبيل فرض إغاثة العطشان والجائع، حتى قال الفقهاء: من لقي عطشاناً ومعه ماء، أو لقي جائعاً ومعه طعام، فمنع العطشان الماء، أو الجائع الطعام، وهو يعلم أنه لا يجوز منعه، وأنه يموت إن لم يسعده بما عنده، حقت عليه عقوبة القصاص.

دعت الشريعة إلى التعاون على حفظ النفوس، وجعلت له من الزكاة النصيب الأوفى، فكان من مصارفها الفقراء والمساكين؛ ليسدوا بها حاجاتهم، ويصونوا بها ماء وجوههم، ثم ندبت إلى وجوه أخرى من وجوه البر؛ كالصدقة، والهبة، فالقصد من الصدقة أو الهبة: مواساة من يُتصدق عليه، أو يوهب له، وإعانته على حفظ نفسه، أو نفس من يعوله -غالباً-.

وفي الناس من لا تسمح نفسه برفع يده عن الشيء المنتفع به جملة، فجعل له الشارع طريقاً إلى أن يعين غيره بمنفعة الشيء مع بقاء ذاته تحت ملكه، كالعارية، والعُمْرى (١).

ومن الوجوه الراجحة في تفسير قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧]: أن المراد: ما يتعاوره الناس من متاع البيت؛ كالقدر والجفنة والسكين، وإذا طلب منك إعارة أمثال هذه الأدوات في حال ضرورة، كان منعها حراماً، فإن طلب منك إعارتها في حال لا تبلغ الضرورة، كان منعها خادشاً في المروءة، دليلاً على أنك تطوي نفسك على شيء من البخل بما آتاك الله من خير.

ومن شواهد التعاون على حفظ العرض: أن الشريعة قد وضعت على القذف بالزنا عقوبة محدودة، وعلى من يتناول غيره بسباب أو هجاء التعزيرَ


(١) أن تعطي شخصاً منفعة شيء مدةَ حياته أو حياتك، أو إلى أجل مسمى.