للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا نتقدم للخوض في عبابه إلا بعد الاعتصام به.

- الاستطلاع الثاني:

كان للسابقين الأولين توفر رغبة في رواية حديثه عليه الصلاة والسلام، حتى كان أحدهم لشدة اعتنائه بذلك يقطع المراحل الشاسعة، ويجوز المفاوز المتسعة، غير مكترث مما يتجشمه من العناء في طلب حديث واحد يسمعه من روايه:

وكنتُ إذا ما جئتُ سعدى أزورها ... أرى الأرض تُطوى لي ويدنو بعيدها

ولما قلَّ الضبط والتحري من الرواة "وما آفة الأخبار إلا رواتها" اشتدت الحاجة إلى تدوينه محافظة على ما فيه منافع للناس، من أهمها تبيينه لهم ما أنزل إليهم، واختلف أول ما صنف في الإسلام، قيل: "كتاب ابن جريج"، وقيل: "موطأ مالك بن أنس"، وقيل: إن أول من صنف وبوَّب، الربيع بن صبيح بالبصرة.

ومن أهل هذا الشأن من قصر همته على تدوين الحديث مطلقاً؛ ليحفظ لفظه، ويفهم معناه، كما فعل "عبد الله بن موسى الضبي" وغيره، ومنهم من أثبت الأحاديث من مسانيد رواتها، فيذكر مسند أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ويثبت فيه كل ما رووه عنه، ثم يذكر الصحابة واحداً بعد واحد على هذا النسق، وهاته طريق "أحمد بن حنبل" وجماعة اقتفوا أثره في ذلك، ومنهم من يثبت الأحاديث في الأماكن التي هي دليل عليها، فيضعون لكل حديث باباً يختص به، فإن كان في معنى الصلاة ذكروه في باب الصلاة، وإن كان في معنى الزكاة ذكروه فيها، كما فعل "مالك بن أنس" في "الموطأ" ثم اقتدى من بعده.