للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تحقيق مسْألة تاريخيّةٍ (١)

ابتُليت بطون بعض التواريخ بأمراض من الأراجيف، وإنها لبلية كبرى على من لم يكن له باع مديد في تمييز الخبيث من الطيِّب، فحذار أيها السائر تحت لواء الحق، إذا أغطشت ليلها أمامك أن تفتتن بها فتوناً، لا سيما ما يعزونه إلى "الخليفة الثالث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - " (٢) استناداً إلى روايات تتصل بأقوام يلمزونه بها لحاجة في أنفسهم قضوها:

منها قولهم: أزعج "أبا ذر" من "الشام" حين غيّر على "معاوية" المنكر، وأجلاه إلى "الربذة". قلنا: "ما أتى معاوية منكراً يغير عليه، وإنما كان أبو ذر على طريقة من الزهد لا تمكن لجميع الخلق، وكان يقرع عمال عثمان ويتلو عليهم {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: ٣٤] الآية, ويراهم يتسعون في المراكب والملابس فينكر ذلك عليهم، ويدعوهم إلى تفريقه في وجوه البر وهو غير لازم لهم؛ لأن ما أُديت زكاته ليس بكنز، فخشي معاوية من أن تثور من العامة فتنة، إذ كان أبو ذر يأمرهم من الزهد بما لا يحتمله الناس كلهم، وإنما يقوى عليه بعضهم، ورفع الأمر إلى عثمان فاسترده إلى


(١) العدد الرابع - المصادر في ١٦ صفر ١٣٢٢.
(٢) للإمام بحث تحت عنوان "نظرة في ناحية من خلافة عثمان - رضي الله عنه - " في كتابه "تراجم الرجال".