للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العموم في آية {وَطَعَامُ الَّذِينَ} [المائدة: ٥] مخصوص بالميتة والدم ولحم الخنزير قطعاً، بخلاف عموم آية {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ} [المائدة: ٣] فإنا لا نعلم له مخصصاً، والعام الذي لم يدخله تخصيص أقوى في الدلالة مما دخله التخصيص، وعليه فيترجح القول بالتحريم هذا على ما لجمهور الأصوليين، وأما على رأي "ابن السبكي" من أن المخصوص أقوى فيترجح مذهب "ابن العربي"،

ثانيها أن الآية الأولى للإباحة والثانية للحظر ودليل الحظر مقدم على دليل الإباحة، وهو مذهب "الأبهري" من أصحابنا، وعزاه "التفتزاني" في "حواشيه على ابن الحاجب" إلى الجمهور، ووجهه بأن مخالفة المحظور توجب الإثم بخلاف المباح فكان أولى للاحتياط، وأيد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "دع مَا يُريبُكَ إلى مَا لا يُريبُكَ".

ووجَّهه غيره بأن النهي يعتمد درء المفسدة، وقد قُدِّم على الأمر المتضمن لجلب المصلحة، فلأن يقدم على ما عرى عن ذلك أولى.

نعم يترجح مذهب "ابن العربي" بناء على ما ذهب إليه "أبو الفرج" وغيره من تقديم دليل الإباحة، وأما على ما رجّحه في "المستصفى" وصحّحه "الباجي" في "المنهاج" من التسوية بينهما فلا ترجيح، ولكن مذهب "الأبهري" أقوى مدركاً وأعلى نظراً، ومما يدعم أصل الحرمة دليل الخطاب في قوله تعالى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] على أن الاستثناء منقطع، فإن مفهومه أن ما ذكّاه غيرنا كالكتابي لا يباح، لكن ما كانت ذكاته موافقة لذكاتنا قد قام الدليل على إباحته، فيبقى ما عداه ممنوعاً بدلالة هذا المفهوم، ويعضده أيضاً قوله تعالى: {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: ٥] على أن الآية بيان لنا لا لهم