للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرى لفساد الزمان أن يحلَّف الحاكم الشهود. وفعل هذا محمد بن بشير قاضي قرطبة، وقال ابن عباس - رضي الله عنه - بتحليف المرأة إذا شهدت بالرضاع، وورد في القرآن الكريم تحليف غير المسلم الشاهد على الوصية في السفر. ويتلخص من هذا: أنه يجوز للحاكم تحليف الشهود إذا اشتبه في أمرهم.

التفريق بين الشهود:

أوّل من فرق بين الشهود علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وكان فرَّق بين امرأتين شهدتا على يتيمة أنها بغت، وبالتفريق بينهما تبين أن شهادتهما زور، فقال علي: الله أكبر! أنا أوّل من فرّق بين الشاهدين (١). وصرح الفقهاء كلهم: أن الحاكم إذا ارتاب بالشهود، سألهم: كيف تحملوا الشهادة، وأين تحملوها؟ وذلك واجب عليه، متى عدل عنه، أثم، وجار في الحكم (٢).

الحكم بالتواتر:

التواتر لغة: تتابع أشياء واحداً بعد واحد بينهما مهلة، وأما اصطلاحاً، فهو: تتابع الخبر عن جماعة إلى حيث يحصل العلم (أي: الاعتقاد القاطع) بالمخبر به. ومن شرطه: أن يكون الجماعة قد انتهوا في الكثرة إلى حد يمتنع معه تواطؤهم على الكذب، وأن يكون عليهم مستنداً إلى حس، لا إلى دليل عقلي، ولا يشترط فيهم العدالة، ولا الإسلام، فإذا تضافرت الأخبار على شيء؛ بحيث اشترك في العلم به القاضي وغيره، حكم بموجب ما تواتر عنده؛ كأن يتواتر عنده صلاح رجل أو فسقه، أو عداوته لغيره، أو فقره، أو موته،


(١) "الطرق الحكمية" (ص ٩٠).
(٢) "الطرق الحكمية" (ص ٢٤).