للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دينية في الوظيف، وقد فضل الشيخ الخضر التفرغ للعلم، واختار أن يكرس حياته للتعليم والتئقيف، والتزود بمختلف المعارف، والتعمق فيها، لذلك انخرط في سلك المدرسين بجامع الزيتونة، وفي الوقت نفسه تابع تحصيله بالمطالعة الجادة، وحضور الدروس الهامة، إلى أن تسامت مكانته، وارتفع شأنه بين أقرانه، وأصبح مضرب المثل في اتساع الباع، وقوة الحجة، وبلاغة المنطق، ورجاحة العقل، وجاذبية الشخصية التي كان يتميز فيها بهدوء الطبع، والتواضع، والتقى، وبالروح الأدبية المرحة.

حصل الشيخ الخضر على (التطويع) سنة ١٨٩٨، وفي سنة ١٩٠٤، أسس مجلة "السعادة العظمى"، وهي أول مجلة عربية تظهر في تونس، وكان يحرر أغلب مقالاتها، وينشر فيها مختلف المواضيع المتعلقة بالشريعة والأخلاق، واللغة والآداب، والتفسير، والفتوى، والرحلات، إلى غير ذلك من المواضيع الهادفة إلى إصلاح المجتمع، وترقية المسلمين.

وقد توقفت هذه المجلة عن الصدور سنة ١٩٠٥؛ أي: بعد سنة من تأسيسها، وذلك لأسباب مادية، ولموقفها الحيادي بين صراعات العلماء المحافظين والمصلحين في تونس؛ حيث إنها كانت تعبر عن الاتجاه المعتدل لصاحبها، ولم تتورط في الذوبان لصالح فئة ضد أخرى.

وعلى أثر توقف مجلة "السعادة العظمى" تولى الشيخ الخضر منصب القضاء ببنزرت، بتأثير صديقه الحميم الشيخ الطاهر بن عاشور، ولكنه استقال بعد شهور من ذلك المنصب، وعاد إلى التدريس في جامع الزيتونة، وكان في طليعة الداعين إلى إصلاح التعليم، ومن أوائل المؤسسين لجمعية (تلاميذ جامع الزيتونة) سنة ١٩٠٦.