للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن سامني يوم شكاة تدفقت ... دموعك عن جفن يخال هو الشاكي

يجافي الكرى عيني إذا مسَّكِ الضنى ... ويرتاح ما بين الحنايا لمنجاك

تمر بنا الأيام موصولة المنى ... فما ضرنا ألا نكون كأملاك

أجارة لو شاهدت كيف وقفت في ... مزارك لكن ما ظفرت بنجواك

إذاً لرأيت الحزن يصلى بناره ... حشًى وكأن الحزن شد بأسلاك

وعدت إلى البيت الكئيب كأنني ... خلقت فريداً لست أعرف إلّاك

أغص بشجو كلما مر موضع ... حللت به والنفس مرآة سيماك

وجملة القول: أن الشيخ اجتمع فيه من الفضائل ما لم يجتمع في غيره إلا في الندرى؛ فقد كان عالماً ضليعاً، وكان مع ذلك عالماً بأحوال المجتمع ومراميه، لا يشد عنه مقاصد الناس ومعاقد شؤونهم، حفيظا على العربية والدين، يرد ما يوجه إليهما، وما يصدر من الأفكار منابذاً لهما، قوي الحجة، حسن الجدال. وكان عفَّ اللسان والقلم، لا يتناول المنقود بما يخزيه وما يثلم عرضه، وكان يكره ذلك لمجادله وخصمه. وهو يقول في بعض كلامه: "ووقع بيني وبين بعض العلماء نزاع في مسألة، فلم يقتصر على ما يراه صحة لرأيه، بل زاد على ذلك كلاماً لا يتعلق بالبحث، فأجبته بذكر الحقيقة والتاريخ، وقلت له: ما زاد على ذلك، فغير أهل العلم أقدر عليه من أهل العلم".

وإن مجال القول في الشيخ ذو سعة، ونواحي فضله تحتاج إلى كتب وكتب. وأحسب أن فيما ذكرت ما يجلي بعض هذه النواحي. وأختم هذا الحديث بالدعاء إلى الله أن يجزل ثوابه، وأن يجعله مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.