للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تمتع الشرق بنهضته الاجتماعية والأدبية حُقُباً، ثم وقف التعليم عند غاية، وأخذ شأناً غير الشأن الذي تسمو به المدارك، وتنمو نتائج العقول، فإذا غفوة تدبُّ إلى جفون هذه الأمم، ولم تكد تستفيق منها، إلا ويدٌ أجنبية تقبض على زمامها.

التفت الشرق إلى ما كان في يده من حكمة، وإلى ما شاد من مسجد، وإلى من شبَّ في مهده من أعاظم الرجال، وأخذ ينظر إلى ماضيه؛ ليميِّز أبناؤه بين ما هو تراث آبائهم، وبين ما يقتبسونه من الغرب، ويشعروا بما كان لهم من مسجد شامخ، فتأخذهم العزة إلى أن ينضموا إلى التالد طريفاً، وليذكروا أنهم ذريّة أولئك السراة، فلا يرضَوا أن يكونوا للمستبدين عبيداً" (١).

هذا هو المجال الذي انطلق فيه يراع الشيخ محمد الخضر حسين طوال حياته: مجال التذكير بالأمجاد عن دراسة وتنقيب، وكشف الخداع عن بهارج الغرب في استشفاف ونفاذ، ووضع العلاج لأدواء الشرق في بصر وتشخيص.

وقد ألّح في ذلك إلحاحاً جعل فريقاً من المؤرخين يفهمون رسالته الإصلاحية على غير وجهها الصحيح.

فالأستاذ (ولفريد كانتويل) أستاذ الدراسات الإِسلامية بجامعة (مونتريال) يضع كتاباً عن الإِسلام في التاريخ الحديث، يتعرض فيه إلى مجلة "الأزهر"، موازنًا بين رئيسي تحريرها السابقين: محمد الخضر حسين، ومحمد فريد وجدي، فيجعل الأول ممثلاً للمدرسة السلفية فقط، والثاني مجدداً عصرياً


(١) محمد الخضر حسين، "نقض الشعر الجاهلي".