للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإبل تكون في الرمال كأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب، فتجرب؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ومن أعدى الأول؟ "، وهذا من أبين الحجج، ومعناه: أن الذي أصاب الأول هو قدر الله، وهو الذي أصاب الثاني أو الثالث بالمرض.

والدليل على أن القرب من المريض ومخالطته سبب ظاهري لا يستلزم مسببه: أن كثيراً من الناس يقربون من المريض، ويخالطونه، ولا يصيبهم مرضه.

ومما يتعلق بهذا المعنى: الحديث الصحيح، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يورد ممرض على مصح"، ويرتبط به أيضاً قوله في الحديث الصحيح: "فر من المجذوم فرارك من الأسد"؛ فإنها يعارضان بحسب الظاهر حديث: "لا عدوى".

وتندفع هذه المعارضة الظاهرية بأن الشارع يفسح المجال للمكلف بأن يراعي الأسباب الظاهرة، ويتجنبها؛ شفقة عليه من أن يقع في قلبه ما ينهى عنه الشارع، ويحتاج في دفعه إلى مجاهدة نفسه.

وبهذا يمكن الجمع بين الأحاديث الصحاح التي ينفي بعضها العدوى، ويحث بعضها على الاحتياط، وإذا أمكن الجمع بين الأحاديث الصحيحة، فهو أولى من ترجيح بعضها على بعض.

ومن مرت به الحياة في تصرفاتها على الإيمان الذي يقبل الزيادة، وعلى الإيمان المؤيد باليقين، أدرك أن الشريعة أعطت لكل من الفريقين حكماً يناسبه، ويليق بحالته، فهما مقامان: مقام التوكل، ومقام مراعاة الأسباب الظاهرة.

ولما كان أكثر الناس وعامتهم يغلّبون الأسباب الظاهرة، ويربطون بين