للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كنت يوماً في درسه الجامع البخاري، وقرر الشيخ الفرق بين صبر على كذا، وصبر عن كذا، فقال: صبرت على كذا؛ أي لازمته؛ فيقال: صبر على الطاعة. وصبرت عن كذا؛ أي: تركته؛ فيقال: صبرت عن المعصية؛ أي تركتها؛ فقلت له: قد ترك الشاعر هذا الفرق إذ قال:

والصبر يحمد في الأماكن كلها ... إلا عليك فإنه مذموم

فمقتضى هذا الفرق أن يقول: إلا عنك فإنه مذموم، فاغرورقت عيناه، وظهر على وجهه ابتهاج، ودعا لي بخير، ولم يسعه إلا أن يقول: إن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض، فالشاعر استعمل "على" موضع "عن"؛ كما قال الآخر:

إذا رَضِيتْ عليَّ بنو قشير ... لعمرُ الله يعجبني رضاها

فإن رضي يتعدى بحسب الأصل بـ: "عن"؛ كما قال تعالى:

{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: ١١٩].

والمطالبة بالرفق وحب البحث تجري مع كل مدرس أينما كان، ويرفق بالمتعلمين، ويشجعهم على البحث، ويتوقع أن يصيروا رؤساء في بعض الأيام المقبلة، ويسوس الضعفاء بالرفق، والطغاة بالعزم.

ومن الضعفاء الذين يتأكد الرفق بهم: المشتري بالنسبة إلى التاجر، فالمشتري مضطر إلى شراء المتاع الذي يحتاج إليه، والتاجر يتحكم في ثمن المبيع، فالرفق بالمشتري يدعوه إلى أن يذكر الثمن الذي فيه ربح عادل، ولما فسدت أخلاق كثير من التجار، وصاروا يرغبون في الربح الكثير، وقع التسعير فيما يحتاج إليه، وإنما يكون التسعير شرعياً إذا كان الثمن عادلاً، لا يضام فيه التاجر، ولا المشتري.