للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الجيد الذي اختاره أبو تمام ليس هناك جيد غيره مما قالته العرب، فلا شك أن هناك جيدًا كثيرًا لم تشمله هذه الاختيارات الثلاثة، ولا يضير أبا تمام هذا لأنه توخي في اختياراته الجيد مما وقف عليهن وأسعفته به حافظته، أو المصادر التي قرأها عند آل سلمة.

أما بالنسبة لشعر القبائل فإن الأمر يتطلب الوقوف الطويل المتأني على ما قالته القبائل من شعر حتى يختار منه القصيدة الواحدة على نحو ما فعل في اختيار القبائلي الأكبر أو يختار قطعًا من محاسن أشعار هذه القبائل على نحو فعل في الاختيار القبائلي كما أن أحدًا لا يجزم بأن مكتبة آل سلمة كانت تضم كل ما قالته القبائل من شعر، ربما حوت منه الكثير أما الكل فإن السبيل إلى تصويره أمر يحتاج إلى دليل مادي لا نملكه، فنحن لا نستطيع أن نتصور أن آل سلمة كانوا يملكون جميع دواوين شعر القبائل التي صنعها العلماء في القرن الثاني وأوائل القرن الثالث. ومن هنا فإن خلاصة ما يمكن أن يقال في هذا الخصوص أن أبا تمام حين خرج من مصر إلى العراق ومدح الخليفة المعتصم بالله الذي ولي الخلافة سنة ٢١٨ هـ أخذ يطوف بالعمال، يرحل هنا وهناك، وأنه كان من خلال تطوافه هذا يقرأ شعر القبائل ويختار منه حتى انتهى به المقام أخيرًا إلى الموصل حين ولاه الحسن بن وهب بريد الموصل فعمل فيه قرابة العامين ثم كانت وفاته سنة ٢٣١ هـ.

إننا نرتضي القول بأن هذين الاختيارين اللذين لم يصلا إلينا قد كانا ثمرة جهد متصل وقراءات مستمرة في دواوين القبائل حتى تيسر له القيام بصنع ما أراده فيهما، وبطبيعة الحال لا يمكن أن يكون مثل هذا العمل وليد فترة زمنية محددة عاشها بهمذان ولأٍسباب فرضتها الطبيعة بظروفها المتحولة من حال إلى أخرى.

ولا نحسب أن أبا تمام اتجه إلى هذه الاختيارات والتأليف فيها لأن الثلج منعه من الوصول إلى العراق، ولم يجد ما يفعله في فترة الشتاء سوى تأليف هذه الكتب، لأن هذا يجعل عزمه على التأليف وليد حادث طارئ فرضته ظروف معينة لولاها لما كانت هذه الكتب، وإنما الذي في تصورنا أن أبا تمام كان قد عقد العزم على أن يصنع اختيارات في الشعر، وكان هذا العزم يشغل تفكيره، ويقلب الرأي فيه، وربما جالت بفكره الآراء التي تتصل بمنهجه فيها، فحين حدث ما حدث من أمر الثلج

<<  <   >  >>