للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

واحد منهم، وإنما وجدناه عند عالم من العلماء الذين لم يكن لهم عمل في الحماسة، وهو ضياء الدين بن الأثير الذي ولد في النصف الثاني من القرن السادس وعاش في القرن السابع حقبة من الزمن حيث توفي سنة ٦٣٧ هـ، فقد تناول في كتابه "الاستدراك" هذا الجانب في عمل أبي تمام، وقال بعد أن أكد أن أبا تمام إمام الناس شعرًا ومعرفة بالشعر: "ولقد تأملت من الأشعار التي اختار كتاب الحماسة منها فوجدته دقيق النظر فيما أخذ، وما ترك، وسأذكر من ذلك قطعة واحدة حتى يتبين من ذكرته ونبهت عليه، وذلك أنه أورد في باب المراثي أبيات العتبي التي يرثي فيها بنيه وهي:

وقاسمني دهري بني مشاطرًا فلما تقضى شطره عاد في شطري

وكنت به أكنى فأصبحت كلما كنيت به فاضت دموعي على نحري

فيا ليت أمي لم تلدني ... سبقتك إذ كنا إلى أمٍد نجري

وقد كنت ذات ناٍب وظفٍر على العدى فأصبحت لا يخشون نابي ولا ظفري

ثم مضى قائلًا: "وهذه الأبيات قد اختارها من قطعة تشتمل على ثمانية أبيات فأخذ أربعة وترك أربعة ... فأما الذي تركه فهو هذا:

لقد شمت الأعداء بي وتغيرت عيوٌن أراها بعد موت أبي عمرو

تجرا علي الدهر لما فقدته ... ولو كان حيًا لا جترأت على الدهر

أسكان بطن الأرض لو يقبل الفدا فدينا وأعطينا لهم ساكن الظهر

فيا ليت من فيها عليها وليت من عليها ثوى فيها إلى آخر الدهر

ثم بين علة اختيار تلك وطرح هذه فقال: "وإذا وقف ناقد الشعر على الأبيات بجملتها رأى الجميع مختارًا ببديهة النظر، فإذا أفكر وأنعم نظره في المأخوذ منها والمتروك، علم حينئذ مقدار ما عند أبي تمام من نقد الشعر والمعرفة به. أما البيت الأول مما أخذه فليس في الأبيات ما يقوم مقامه لأن معناه منفرد برأسه، وكذلك

<<  <   >  >>