للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم هناك أمر ثالث لابد ان ينظر إليه الدارس لشروح الحماسة الباحث عن مناهج شراحها، وهو النظر إلى متلقي هذه الشروح لأن تلاميذ الشراح- كما اتضح لنا- كانوا متفاوتي القدرات، متبايني الثقافة، متعددي الأهواء والمنازع. منهم من كانت تستهويه قضايا اللغة وأسرارها والنحو ومعضلاته كالخطيب التبريزي الذي حمل على كتفه كتاب التهذيب للأزهري من تبريز إلى المعرة ليقرأه على شيخها أبي العلاء المعري، ويدرس عليه علوم اللغة والأدب فكان مما أخذه عنه شرح الحماسة الذي أصبح معلمًا بارزًا في شروحه فيما بعد. ومنهم الأمراء الذين كانوا يعدون أنفسهم للسيادة والسلطة كأمراء بني بويه الذين كان يؤدبهم الإمام المرزوقي يدرسون عليه الحماسة، ويأخذون منه الثقافة العالية في اللغة والأدب، ومنهم طلاب الأدب المحض لا تشغلهم قضايا اللغة واشتقاقات الصرف وعويصات النحو، والأخبار التاريخية الموغلة في سرد القبائل وأنسابها وأيامها وأمثالها، وإنما حسبهم من هذا كله ما يعينهم على إدراك معاني الشعر ومرامي الشعراء بأقرب سبيل وأسهل تناول. ومنهم طلاب منتظمون في مدارس، يريدون أن يأخذوا من كل علم قدرًا يؤهلهم للحياة، وينير لهم السبيل إلى تحصيل العلم حتى يخلفوا أساتذتهم في حلقات الدرس والتعليم مثل طلاب المدرسة النظامية ببغداد الذين توالت عليهم شروح الحماسة جيًلا بعد جيل.

وثمة أمر رابع ينبغي وضعه في الحسبان، وهو أن بعض شراح الحماسة كان ينأي عن سبيل التأليف من اجل الدرس والتعليم إلى سبيل تقويمي نقدي، يقرأ شروح من سبقه في الحماسة أو رواياته لها فيجد فيها- الشروح والروايات- مواطن خلل ونقص، فتدفعه روح العلم والحرص على سلامته وكماله إلى التصدي- بالتأليف-

<<  <   >  >>