للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فوق كل شئ؟ وطبيعى، أن قومًا ذهبوا إلى البراءة من كل من يخالفهم حتى فى أقل الفروع. على حين أن الظروف السياسية حدت بغيرهم إلى الاكتفاء بالظاهر، تاركين ما وراء ذلك لله الذى يعلم وحده ما تخفى القلوب، وكذلك نشأت المرجئة تقول بإرجاء مثل ذلك المسائل إلى اليوم الآخر. أما فى مسألة الاختيار فقد ظهر المتطرفون إلى جانب من أرادوا التوسط والقصد فى الأمر، وكانت الأحزاب السياسية المتخاصمة يتسع صدرها لما يقولون أو يضيق به، فنشأت القدرية والجبرية.

وكان إلى جانب هذا أيضًا، ينشأ اعتقاد - وإن لم يسمّ باسم - بأن الكلام صفة واجبة لله. على أنه ينبغى ألا نخلط بين صفة الكلام والقول بالتجسد فى الكلمة، وعلى كل حال فإن الأمر يحتاج إلى تحديد دقيق.

ومؤثر آخر هو الفلسفة اليونانية: كان المشتغلون بها من المسلمين يريدون الوصول إلى العلل الأولى للأشياء، وقد نهجوا طريق الفلسفة ووصلوا إلى الكلام فى ذات الله. وكان يتحتم عليهم أن يحافظوا على التوحيد من الوجهتين الفلسفية والدينية، ولكن فى سبيل الإبقاء عليه آلت الذات الإلهية شيئًا فشيئًا إلى، مر مجرد، لا يمكن حده، فمثلا كان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] يقول إن الله "عالم"، فيجب أن تكون له صفة العلم، ولكن بم يتعلق العلم؟ أبشئ فى ذات الله، أم بشئ غير ذاته؟ إن كانت الأولى ففى ذاته تعدد، وإن كانت الثانية فعلمه متعلق بشئ غير ذاته، فلا يكون علما واجبًا، فلا يكون مالك الصفة واجب الوجود. وبيّن أن إثبات الوحدانية لله، وقيامه بذاته ينافى وصفه بصفات الإيجاب.

وفى هذا التطور تظهر ثلاثة اتجاهات وتبقى دائمًا، فهناك النقل: أى قبول العقائد لأنها اتبعت ثم لقنت من قبل، وأصحاب النقل يسمون "أهل الحديث" فهم يأخذون بالأدلة السمعية المستمدة من الكتاب والسنة والإجماع. وعندهم أن العقل لا يجوز أن يرجع إليه لا فى النقد ولا فى التأويل. بل أوجبوا الإيمان بما بلغهم كما هو، فمثلًا يقرءون فى القرآن الكريم {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ