للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اسْتَوَى} (سورة طه، آية ٥ *) فيقولون إن الإيمان بذلك واجب كما هو من غير خوض فى معناه، ولا سؤال عن كيفيته، ولا تشبيه لاستواء الله باستواء الإنسان. وقد نشأ من هذا عبارتهم المشهورة "بلا كيف ولا تشبيه".

وقد ظهر اتجاهان: أحدهما لجمهور المسلمين، والثانى لجماعة أكثر منهم تشددًا فى الأخذ بالمنهج المنطقى، وهنا ظهر القول "بالمخالفة": كل ما هو لله فهو مخالف لما للإنسان، ولا يجوز أن نظنه مثله، ويسمى هذا أيضًا "بالتنزيه" أى تنزيه الله عن صفات المخلوقين.، وقد وقفت هذه الفكرة عند حد كان يمكن بعده أن تصبح فكرة تامة عن الله. هو مخالف للمخلوقات. نعم. ولكن الله يجب أن يكون بحيث نستطيع أن نعقله. وليس ما نعقله عن ذاته من هذه الأسماء والعبارات خطأ بالضرورة. لا نعرف من صفاته ما هو، بل شيئًا قريبًا من ذلك. غير أن آخرين ذهبوا إلى أبعد من هذا فقالوا: بل لا نستطيع من هذه العبارات أن نحصّل فكرة عن ذات الله، فذاته سرّ لا يعرف أبدًا، ولا نظن أن الأسماء تعطينا شيئًا عنه.

يقول القرآن الكريم إن الله {أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (سورة الأعراف الآية ١٥١ *: سورة يوسف الآية ٦٤، ٩٢؛ سورة الأنبياء الآية ٨٣). ولكن هذا لا يدل على أن صفة الرحمة التى يتصف بها الله، تشبه صفة الرحمة التى يتصف بها الإنسان بأى وجه من الوجوه. وما نراه فى الكون يبطل هذا التشابه. سمى الله نفسه بهذا الاسم، أما ما يدل عليه الاسم فهو أمر لا نقدر على معرفته، ولا يسوغ لنا الخوض فيه.

على أنه كانت توجد خلافات كثيرة أقل من ذلك شأنًا تتراوح بين مجرد الحث على التمسك بعقيدة السلف دون غلو فى البحث فى ذات الله، وبين رأى القائلين بأن واجب الوجود لا يمكن أن يعرف. غير أن هذا المنزع الأخير لم يؤد عند المسلمين إلى موقف اللاأدريين، بل أدى إلى الاعتماد على حجية رأى السلف.


(*) جاء رقم الآيتين اللتين بجوار كل منهما ٤، ١٥٠.
المحرر