للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شدة بتأثير الحروب الدينية. وكان معاوية قبل موته قد نال تأييد قبيلة كلب العظيمة فى الشام بأن تزوج من ابنة بَحْدل بن أُنَيْف، وهى أم يزيد. واستمر تأييد هذه القبيلة للفرع الآخر من الأمويين وزعيمه الحكم بن أبى العاص بن أمية. وحلّ هذا الفرع محل بنى سفيان فى السيادة على القبيلة، ومع هذا فقد قامت محاولة ضعيفة كان غرضها حفظ الخلافة فى بنى سفيان بجعل خالد أخى يزيد الأصغر خليفة له.

ولما ولى الخلافة مروان بن الحكم، كان عند ذاك رجلا قد حنكته السنون؛ واستطاع فى حياته الطويلة أن يعرف المنازعات التى بين القبائل والمنافسات والدسائس التى وقعت بين الصحابة الذين كان كل منهم يريد ميراث النبى [- صلى الله عليه وسلم -] لنفسه. ثم كان انتصار مرج راهط (عام ٦٤ هجرية) على قبيلة قيس التى أفلح ابن الزبير فى أن ينال تأييدها له فى ثورته. وكان هذا الانتصار سببًا فى أن دان الشام بالطاعة لمروان وانضمت إليه مصر بعد أن كان قد تغلب فيها الحزب المعادى لبنى أمية.

ولكن سرعان ما مات مروان بعد هذا النجاح الأخير فترك لابنه عبد الملك عبئًا عظيما، هو إخضاع وسط الجزيرة والعراق.

تبوأ عبد الملك منصب الخلافة على غير انتظار فظهرت منه نزعة جديدة إلى جعل الخلافة وراثية فى أبنائه بانتظام: وكان هذا هو برنامج معاوية، وهو مخالف تمام المخالفة لسنة العرب فى اعتبار السلطان من حق القبيلة فى جملتها. وكان أكبر غرض رمى إليه عبد الملك وكل من جاء بعده تقريبًا فى سياستهم الأسرية هو حفظ وراثة الملك فى أبنائهم وحرمان الأقارب منها.

ثم قامت الخصومات بين الخليفة وخصومه وبين هؤلاء وبين الثائرين من الشيعة والخوارج، وامتدت هذه الخصومات إلى أقصى بلاد فارس وخراسان، وتجلت فيها نزعات العصبية فى القبائل بكل قوتها. وكانت كل قبيلة تتخذ شارة لها لواء الفريق الذى تنضم إليه من بين المتخاضمين. وأكبر شاهد على هذا دواوين شعراء هذا العصر وما يقترن بها من قصص تاريخية.