للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عالية. دقيق الحس فى إدراك الحقائق الواقعة.

ويدهشنا أن نرى فى هذا العصر نفسه نظامًا من المبادئ والأحكام الدينية بلغ حد الكمال مع أن طلائعه لم يكن قد مضى عليها أكثر من جيلين، وقد تكونت العقلية الدينية والفقهية فى الإسلام فى نهاية القرن الأول، وطبعت بطابع لم تكن لتفقده طوال العصور المتعاقبة. لأن هذا النظام كان يمثل تنفيذ ما نادى به محمد [صلى الله عليه وسلم] واتتصار دعوته انتصارًا تامًا.

وحاول عمر بن عبد العزيز أن يوفق بين مطالب الدولة السياسية والمالية وبين احترام تقاليد الدين، وهو فى هذا له فضل السبق على العباسيين، وربما كان فيما فعله أصدق منهم إيمانًا. ورغم أننا يجب أن نعتبره قد أخفق فى أعماله المتعلقة بمستقبل الأسرة فإن إصلاحاته المالية مهدت السبيل إلى معاملة العرب والموالى على قدم المساواة، وساعدت أكثر من أى شئ آخر على إدماج سلالة الفاتحين بسلالة المغلوبين. ولاشك أن العصر الثالث فى مجد الدولة الأموية -وهو عهد هشام- يرجع إلى جهود عمر النافعة.

واستمرت الفتوح خلال العشرين سنة التى حكمها هشام سائرة على الخطة القديمة الشاملة؛ فاستمرت فى الغرب رغم ثورة البربر العظيمة عام ١١٣ هجرية، وفى الشرق أيضًا. وتقدم العرب حتى وصلوا إلى قلب بلاد الغال Gaul وبدأ البحر المتوسط يتحول إلى بحيرة عربية، وأخضع الترك للمرة الثالثة بعد أن بدءوا يحاولون التملص من نير الحكم العربى بعد عزل قتيبة وموته.

ولما مات هشام كانت الخلافة الأموية فى أوج عظمتها، ويكاد الإنسان لا يصدق أنه بعد أشهر قليلة وقعت الدولة -التى كان يظهر أنها بنيت بناءً محكمًا على سلطة الخليفة- فى هرج شامل، وذهبت فريسة للفوضى. ولا شك أن المؤرخين أصابوا إلى حد ما إذ جعلوا لفساد أخلاق الوليد الثانى تأثيراً عظيماً فى قلب النظام القائم ولكن أخطاء شخص واحد لا تكفى فى تعليل ظهور كل علامات الانحلال دفعة